غخع

التبرع الالكتروني




لماذ نساعد هؤلاء ؟

فئةً من المجتمع تغيبُ عنا فجأة لسببٍ أو لآخر وربما غفلنا عنها طويلاً، وإذا جاء ذكرها فلا يعدو أن يكون حديث مجالس ليس أكثر…وأُسرٌ يغيب عنها العائلُ وربما غفل عنها الأقارب فضلاً عن الأباعد، فكان التشتت والضياع قدرها ومصيرها أو كما قيل: (الأسرة الضحية بلا ذنب كيف يقع هذا؟ ومن المسئول؟ وما العلاج؟

حين يكون الحديث عن (السجناء) أو (المفرج عنهم) أو (أسرة السجين) فلابد أن يكون الحديث شاملاً لـ (للسجون وأوضاعها وللعنابر ومن فيها، والبرامج المقدمة للسجناء ومدى كفايتها وللمجتمع ونظرته للسجين، والمؤسسات والقطاعات الحكومية والأهلية وتعاملها مع المفُرج عنهم، واللجان الرسمية والأهلية لرعاية السجناء وأسرهم.

كيف نُسهم جميعاً في إصلاح الخطأ، وتقويم الانحراف، وتصحيح المسار؟

وفي البداية لابد أن نقرر أن الخطأ من البشر وارد: ((كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ)).

ولكن تسديد الخطأ ممكن، وإقالة العثرة وارد، والرجوع للحق مطلب.

وفي ديننا العظيم، التوبةُ تجب ما قبلها، والعائد من الذنب كمن لا ذنب له، والندمُ توبة، ومن يعمل سوءً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً.

والسجناء فِئةً من المجتمع قدر الله عليهم أن يدخلوا عنابر السجن لسبب أو لآخر، منهم من أوقعته الخطيئة، ومنهم من أثقلته الحمالة المالية أو سلكت بهم ظروف الحياة الصعبة إلى السجن.

من هؤلاء السجناء من ظلم نفسه أو ظلم الآخرين فكان السجن حدَّاً لهذا الظلم، وقد يُسجن مظلومٌ وهو بري ومن قبلُ أدخل يوسف – عليه السلام – السجن وقال: ((رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)) (يوسف: 33).

والسجنُ مهما كان حبسٌ، وهو عالَم آخر يواجه السجين، ولو أن أحدنا حُبس في بيته ومُنع من الخروج والاتصال بالآخرين لأحس بالضيق والقلق، فكيف إذا أمسى السجين وأصبح في بيتٍ غريب، وكان جاره قاتلاً أو مروجاً أو مدمناً أو متلبساً بأي نوع من الإجرام؟

إنها العتبة الأولى التي تواجه السجين، وحرى بالمسئولين عن السجون أن يفرزوا المساجين على حسب قضاياهم، وأعمارهم، منعاً لانتقال العدوى وإسهاماً في علاج الخطأ البسيط، وحتى لا يتحول الموقوف بقضية صغيرة إلى محترف في الإجرام.

إن الدراسات تُشير إلى أن سلبيات السجون تفوق إيجابياته، وإلى أن المشكلة (مشكلة السجون وليست مشكلة المجرمين) ما دام (المجرم يعود إلى الإجرام مرة أخرى، ويعود إلى السجن عدة مرات).

ويرى أصحاب هذه الدراسات أن السجن الناجح هو الذي تتوفر له شروطٌ ثلاثة:

* رعاية أسرة السجين طوال فترة بقائه في السجن وتقديمُ العون المادي والاجتماعي لها، (حتى لا نعالج خطأ فرد بانحراف أسرة بكاملها أو بعض أفرادها).

* تأهيل السجين بشكلٍ متكامل (مهني، ودراسي، ونفسي، واجتماع، وروحي، وهو الأهم).

* تقديم رعاية لاحقة للسجين بعد خروجه، والتأكدُ من استقراره مادياً واجتماعياً ونفسياً بما يضمن عدم عودته للسجن مرة أخرى). (انظر: عقوبة السجن مالها وما عليها، من مطبوعات اللجنة الوطنية لرعاية السجناء.. ).

إن تحقيق السجن لهذه الشروط ونجاحه في تطبيقها يحتاج إلى مبانٍ مميزة وإلى طاقم من العاملين متكامل، وإلى برامج تأهيلية شاملة، وإلى إدارة ناجحة تتجاوز مسئوليتها استلام السجين وتسليمه، وتأمين غذائه وتحديد نومه ويقظته، إلى تأمين الأجواء المناسبة لرعايته وإفادته داخل السجن، وربط الجسور مع الجهات والشخصيات القادرة على التأثير عليه أو على أسرته خارج السجن كالمسجد والمدرسة، ومكان العمل، وأهل التربية، وأصحاب الفكرِ والرأي والمال ونحوهم ليسهم الجميع في الحل.

أيها السجين: وإذا أصبحت أو أمسيت فجأة في السجن فاعلم أنك على نفسك جنيت، وبذنبك أخذت، وما دفع الله عنك أعظم، فاصطبر للقضاء، وأرض بالقدر، وفرّ من قدر الله بالخطيئة إلى قدره بالتوبة، وليكن السجن فرصة لك لمراجعة الحساب، والتأمِل في العواقب، وافتح لنفسك نافذة واسعةً للآخرة، وقل لنفسك ها آنذا لم استطع الفرار من عقوبة الدنيا فكيف بعقوبة الآخرة، ولم أُفْلِتْ من مراقبة البشر فكيف بمراقبة الواحد الأحد؟

ومهما كان جُرمُك فعفو الله أعظم، ومهما كانت سوابقُك فباب التوبة أوسع، وأياً كانت همومك وغمومك فبذكر الله تطمئن القلوب، والقرآن هدى ونور، والاستغفار مُفرج للهموم، فمن لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب.

أخي السجين: قد تضيق بك الدنيا على سعتها، وقد تمر بك لحظات لا يبقى في صدرك متسعٌ لحركة الذر أو أقل، ولكن أطرد الهمَّ بالفرج، وأعلم أن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا، وتذكر أن ما نزل بك من مصابٍ سببه الذنوبُ والمعاصي: ((وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)) (الشورى: 30).

واستحضر أن البلايا كفارات ورفعه للدرجات لمن تاب وأناب، وإن الله – تعالى -بفضله وكرمه ورحمته يُبِّدلُ سيئات التائبين حسنات، وكان الله غفوراً رحيماً.

أخي السجين: وأسرتُك أمانةٌ في عنقكِ وأعلم أن صلاحك مؤشر لصلاحهم بإذن الله، وإياك أن تكون كثرة جرائمك وترددُك على السجن سبباً في ضياعهم وتشتتهم وانحرافهم: ((وكُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)).

أخي السجين: كيف تقضي وقتك داخل السجن، والوقت أمانة وهو مزرعة للآخرة هل تنافسُ على التبكير لحضور الصلاة؟ هل لك وردٌ يومي من القرآن، ماذا تسمع وماذا تُبصر؟ هل تقوم الليل وهل تصوم النهار؟ هل تلح على الله دائماً في الدعاء؟ هل تفيد جيرانك المساجين؟ وهل أنت قدوة حسنة في التعامل مع الآخرين؟ ما أقصر الوقت إن شغلته بالطاعة، وستُحس بطوله إن استغرقت في التفكير وغرقت في بحر الهموم، ولن يصيبك إلا ما كتب الله عليك.

أخي السجين: ما هو طموحك بعد السجن؟ وهي أنت مُصِّرٌ على تجاوز الخطأ، وإبدال الصورة بأخرى، لقد تخرّج من السجن دعاةٌ، وحفظة لكتاب الله وأئمة ومؤذنون، وأهل استقامة وصلاح فهل لك في هؤلاء وأولئك عِبرةً وقدوة.

إن ثمة نظرةً قاسيةً للسجين ينبغي أن تُعدل، فمن الظلم أن نحكم على شخص بالسقوط إلى الأبد لزلةٍ عثر بها، ومن المحظورات في شريعتنا أن نعين الشيطان على أخينا، وبدل أن نقف إلى جنبه ونقيله من عثرته، نسبُّه ونحتقرهُ ونبتعد عنه بل ونحذر الناس منه، ومن يدري فلعل هذا المخطئ تاب توبةً لو قُسمت على جمْع لكفتهم إن ديننا الحنيف ينظر إلى (العقوبة) التي عوقب بها من يستحق العقوبة على أنها (مطهرة) له، ومن ستره الله وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود فيما عفى عنه، روى أحمد في مسنده أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَنْ أَذْنَبَ فِي الدُّنْيَا ذَنْبًا فَعُوقِبَ بِهِ، فَاللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عُقُوبَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ، وَمَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فِي الدُّنْيَا فَسَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَفَا عَنْهُ فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي شَيْءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ)) (مطويات اللجنة الوطنية لرعاية السجناء).

وأعظم من هذا الظلم ظلم أسرة السجين حين نعاقبها تبعاً لعقوبة سجينها فننبذها، ونقطعُ الصلة معها، ولا نهتم بشؤونها، ولا نسدد حاجتاتها والله يقول: ((وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)).

إن أسرة السجين (ضحية بلا ذنب) إذا غاب عنها عائلها، ونسيها أو تناساها الذي يعيشون حولها، وكم تحتاج هذه الأسرةُ من رعايةٍ اجتماعية، ونفسية وماديةٍ وأخلاقية، وهذه الرعاية إذا توفرت لها مردودها الإيجابي على السجين وعلى أسرته، أما إهمالها وانحرافها لا قدر الله فهو عبء ثقيل على المجتمع وعلى السجين وعلى دور الرعاية والمؤسسات الاجتماعية؟

إن أسرة السجين كبقية الأسر حرية بأن ترعى أبناءها وبناتها، وألا تجعلهم نهباً للرفقة السيئة، ونهباً للشهوات والمنكرات وألا تسرف في النفقة فتحتمل من الديون ما يثقل كاهلها، ويزيدُ من مشكلة عائلها.

وأخيراً فنحن في المجتمع أسرةٌ واحدةٌ ينبغي أن يتفقد بعضنا بعضاً، وأن نشعر بالتكافل الاجتماعي الذي هو سمةٌ من سماتِ ديننا بل إن ديننا يجعل من المسلمين أمة واحدة مهما اختلفت أوطانهم أو تباينت أجناسهم ولغاتهم، وحين ترتكبُ مجزرة هنا أو هناك على إخواننا المسلمين فيبغي أن نهب لنجدتهم وننصرهم، وحين يقترب منا شهر رمضان فذلك فرصة للصدقة والإحسان على كل مسلم محتاج: ((وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)) (المطففين/26).